فيلمون وهبي: شيخ الملحنين وصانع الأغنية اللبنانية الخالدة
فيلمون وهبي، المعروف بشيخ الملحنين، هو واحد من أعظم الأسماء في الموسيقى العربية واللبنانية على وجه الخصوص
فيلمون وهبي: شيخ الملحنين وصانع الأغنية اللبنانية الخالدة
فيلمون وهبي، المعروف بشيخ الملحنين، هو واحد من أعظم الأسماء في الموسيقى العربية واللبنانية على وجه الخصوص. وُلِد وهبي ووهبه الله موهبة التلحين الفطرية بلا دراسة موسيقية رسمية، وكان يتميز بقدرة إبداعية خارقة جعلته أحد أهم رواد الأغنية اللبنانية. لم يكن مجرد ملحن عادي، بل كان موسيقياً شاملاً استطاع أن يصنع إرثاً فنياً كبيراً مزج فيه بين التلحين والأداء التمثيلي، مما جعله أعجوبة عصره وعرّاب الأغنية اللبنانية.
انطلق فيلمون وهبي في مسيرته الفنية من منتصف الخمسينيات، وقدّم ألحاناً مميزة لفنانين كبار من أبرزهم فيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وسميرة توفيق وفهد بلان. كانت ألحانه قريبة من الناس، فمزج فيها بين الخفة والعمق، وخلق ألحاناً لا تزال خالدة حتى اليوم، مثل “بترحلك مشوار”، “حلوة وكذابة”، و”عالعصفورية”. عُرف عنه حسه الفكاهي وروحه المرحة، مما جعل منه شخصاً محبباً للجمهور ولم يُعجزه أمر في عالم الفن؛ فقد نجح في التلحين، التمثيل، وحتى المونولوج، وأبدع في إيصال الأغنية اللبنانية إلى الجمهور العربي وحتى العالمي.
تعاون وهبي مع كبار الفنانين والفنانات، مثل نجاح سلام وسميرة توفيق وعصام رجي وملحم بركات. لحن لهم أغاني خالدة تركت بصمتها في الموسيقى اللبنانية والعربية، مثل “برهوم حاكيني”، “يا هلا بالضيف”، و”بالعز بنينا براجو”. أما صباح، فقد كانت من أقرب الفنانات إليه، ولحن لها العديد من الأغاني الناجحة، وأول ألحانه لها كان “دخل عيونك حاكينا”، ثم توالت الأغنيات التي جعلت منها شريكة درب فنية لوهبي. كما لحَّن لفنانين خارج لبنان مثل شريفة فاضل ووردة الجزائرية وشادية.
كان لفيلمون وهبي دور كبير في نشر الأغنية اللبنانية في الخارج، سواء في الدول العربية أو أوروبا والولايات المتحدة. وقد نُقِلَت بعض ألحانه إلى الثقافات الأخرى، حيث ترجم أساتذة موسيقيون أوروبيون مثل إدواردو بيانكو أعماله، وكانت أغنيته “جايبلي سلام” واحدة من الألحان اللبنانية التي عُرضت في باريس ضمن احتفالات الذكرى المئتين للثورة الفرنسية. ورغم أن مسيرته امتدت لعقود، ظل وهبي يلحن ويسجل الأغاني حتى وقت قصير قبل وفاته، وكانت بعض ألحانه تنتظر الفنان المناسب لأدائها، مثل لحنٍ من كلماته الشاعر إيليا أبو شديد لماجدة الرومي.
في المسرح، شارك وهبي في العديد من الأعمال المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً، أبرزها مسرحيات مع الأخوين رحباني والسيدة فيروز مثل “فخر الدين”، “جبال الصوان”، و”بياع الخواتم”. كان لوهبي قدرة استثنائية على تجسيد شخصيات متنوعة، مما جعله محبباً على خشبة المسرح بقدر محبته في التلحين، وصدر له ألبوم يحتوي على مونولوجات فكاهية مثل “همبرغر”، و”فيلمون أتى”.
خلال مسيرته الفنية، نال وهبي العديد من الجوائز والأوسمة، مثل وسام الأرز ووسام الاستحقاق من لبنان، إضافة إلى عدة أوسمة من الجيش اللبناني وجائزة سعيد عقل، وعدد من الأوسمة العربية. إلا أن تواضعه ورغبته في القرب من الناس كانت من أبرز سماته، حيث رفض الألقاب التي أسبغت عليه واكتفى بلقب “شيخ الملحنين” الذي أطلقته عليه فيروز، وكان يحب لقب “ابن الشعب”.
على الصعيد الشخصي، تزوج وهبي عام 1946 من السيدة جانيت خوري، المعروفة باسم تغريد الصغيرة، وكانت مغنية قبل زواجها، وقد لحن لها عدداً من الأغاني مثل “خدعتني العين” و”وحملتني فوق الألم”. رغم نجاحها في الغناء، اعتزلت جانيت الساحة الفنية بعد الزواج، وكرست حياتها لعائلتها. رزق فيلمون بأربعة أبناء: عماد، سعيد، ألحان، وربيع. كان عماد، الحاصل على ماجستير في العلوم السياسية والقانون الدولي، يشبه والده في روح الفكاهة والنكتة. أما سعيد، فدرس الهندسة الداخلية وأصبح خبير تجميل. ابنتهم ألحان دخلت مجال الإدارة وعملت في شركة شحن، بينما حصل الابن الأصغر، ربيع، على إجازة في التسويق والمالية وإدارة الأعمال من الولايات المتحدة.
عانى فيلمون وهبي من صعوبة الترحيل القسري عن بلدته كفرشيما أثناء الحرب اللبنانية، وانتقل للعيش في بلدة بعبدات لعشرين عاماً، لكنه كان يحلم بالعودة إلى بلدته الأصلية، وهو حلم لم يتحقق، إذ وافته المنية في 5 نوفمبر 1985.
في ذكراه، عبّرت السيدة فيروز عن اشتياقها له، قائلة: “كل اللي تركتن اشتاقولك وكل اللي جايين رح يحبوك”. ترك فيلمون وهبي إرثاً فنياً ضخماً، تجاوز الألفي لحن، وستظل موسيقاه وألحانه خالدة ومتميزة بفضل موهبته الفطرية وروحه المتألقة التي تجعل منه أحد أعلام الفن اللبناني، وستبقى ألحانه تنبض في الذاكرة العربية، عصيّة على التقليد والاندثار.